قمة الذكاء الاصطناعي العالمية 2024 (GAIN)، التي عُقدت في الرياض في الفترة من 10 إلى 12 سبتمبر 2024، كانت حدثًا محوريًا في المحادثة العالمية حول الذكاء الاصطناعي، حيث جمعت أكثر من 450 متحدثًا وحضورًا من أكثر من 100 دولة. تم تنظيم القمة من قبل الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA) تحت رعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. كانت هذه القمة بمثابة منصة ديناميكية لاستكشاف دور الذكاء الاصطناعي في تشكيل المستقبل عبر العديد من الصناعات، بما في ذلك الرعاية الصحية، والمدن الذكية، والتعليم، والأخلاقيات. لم تكن القمة مجرد حدث تقني، بل كانت عرضًا لطموح المملكة العربية السعودية لقيادة ثورة الذكاء الاصطناعي بطريقة أخلاقية وشاملة وذات تأثير عالمي.
المحاور الرئيسية ومجالات التركيز
1. الذكاء الاصطناعي التوليدي والحوكمة الأخلاقية
كان الذكاء الاصطناعي التوليدي أحد الموضوعات الساخنة في القمة، حيث تمحورت المناقشات حول كيفية إعادة تشكيل الذكاء الاصطناعي للصناعات من خلال تمكين الآلات من إنشاء البيانات والنماذج والمحتوى الإبداعي بشكل مستقل. ومع ذلك، أثارت المناقشات حول الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، وهو امتداد لهذا المفهوم، قلقًا بشأن المخاوف الأخلاقية المحتملة. كيف يمكننا منع الذكاء الاصطناعي العام من إنتاج نتائج متحيزة أو غير دقيقة أو ضارة؟ كان هذا أحد الأسئلة الرئيسية.
كان أحد النتائج الرئيسية هو الإعلان عن الميثاق الإسلامي العالمي للذكاء الاصطناعي، وهو إطار حوكمة فريد من نوعه يتماشى مع القيم الثقافية والدينية. هذا التحرك يضع المملكة العربية السعودية في طليعة قيادة الذكاء الاصطناعي الأخلاقي، مما يضمن أن التقدم التكنولوجي لا يأتي على حساب المبادئ الأخلاقية والمجتمعية.
2. الذكاء الاصطناعي المتمحور حول الإنسان
كان الموضوع المركزي في قمة GAIN هو كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز القدرات البشرية، وليس استبدالها. قدم الدكتور عبدالله بن شرف الغامدي، رئيس SDAIA، كلمة رئيسية ركز فيها على أن الذكاء الاصطناعي المتمحور حول الإنسان هو الحل للعديد من التحديات العالمية، من الرعاية الصحية والتعليم إلى الاستدامة. وأكد على دور الذكاء الاصطناعي كعامل ممكن للإبداع البشري والرحمة وحل المشكلات.
كلمة الدكتور الغامدي لم تكن نظرية فقط؛ بل كانت مدعومة بأمثلة عملية عن الإمكانات المنقذة للحياة التي يمتلكها الذكاء الاصطناعي، مثل حل EYENAI، وهو أداة تشخيصية مدعومة بالذكاء الاصطناعي ساعدت في اكتشاف علامات المرض المبكرة في 846 مريضًا خلال عام واحد. كما أشار إلى كيف أن المملكة العربية السعودية تتجه لتكون مركزًا عالميًا للابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، بالتعاون الوثيق مع الحكومات والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية في جميع أنحاء العالم.
3. الذكاء الاصطناعي للمدن الذكية والطب الدقيق
كان دور الذكاء الاصطناعي في إنشاء مدن أذكى وأكثر استدامة والطب الدقيق محورًا رئيسيًا آخر. تم تسليط الضوء على مشروع NEOM، المدينة الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي في السعودية، كنموذج للتخطيط الحضري المستقبلي. تم عرض NEOM كمثال لكيفية قدرة التكنولوجيا على تحسين حركة المرور، وتقليل استهلاك الطاقة، وتعزيز السلامة العامة. أظهرت المناقشات في القمة أن المدن الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي ليست فقط حول البنية التحتية، بل تتعلق ببناء مجتمعات تعمل فيها التكنولوجيا على تحسين نوعية الحياة.
على نفس القدر من الأهمية، يشهد قطاع الرعاية الصحية تحولًا من خلال الطب الدقيق المدفوع بالذكاء الاصطناعي، مما يمكن العلاجات المخصصة بناءً على البيانات الجينية والتاريخ الطبي للمرضى. عرضت ورش العمل في القمة كيف تسرع أدوات الذكاء الاصطناعي بالفعل دقة التشخيص وتحسن نتائج المرضى مع خفض التكاليف الصحية.
4. التعاون الدولي وحوكمة الذكاء الاصطناعي
كان أحد الاستنتاجات الرئيسية من القمة هو التركيز على التعاون الدولي. الذكاء الاصطناعي هو جهد عالمي، ولكي يكون فعالاً، يجب على الدول والشركات العمل معًا. قدمت القمة منصة لتوقيع العديد من الاتفاقيات البارزة بين SDAIA وقادة الذكاء الاصطناعي العالميين مثل Google Cloud، وOracle، وAccenture، وSiemens. تهدف هذه الشراكات إلى تعزيز أبحاث الذكاء الاصطناعي، وتطوير حلول المدن الذكية، وتحسين التقنيات الصحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
كما تطرق المتحدثون إلى ضرورة حوكمة الذكاء الاصطناعي لضمان أن يكون تطويره أخلاقيًا وشفافًا. مع التقدم السريع للذكاء الاصطناعي، يجب على الحكومات إنشاء قوانين لمنع إساءة الاستخدام مع تشجيع الابتكار. كانت المخاوف الأخلاقية مثل انتهاكات الخصوصية، وأمن البيانات، والتحيز في نماذج الذكاء الاصطناعي في مقدمة هذه المناقشات.
5. تطوير مواهب الذكاء الاصطناعي والمساواة بين الجنسين
تتجاوز رؤية المملكة العربية السعودية للذكاء الاصطناعي حدود التكنولوجيا، وتشمل التزامًا بتطوير المواهب والمساواة بين الجنسين. في القمة، تم الإعلان عن أولمبياد الذكاء الاصطناعي، بمشاركة مشاركين من 25 دولة يتنافسون لعرض ابتكاراتهم في مجال الذكاء الاصطناعي. تعد هذه المسابقة جزءًا من مبادرة أوسع لتطوير الجيل القادم من خبراء الذكاء الاصطناعي، وتعزيز الإبداع والتفكير النقدي.
كان أحد البرامج البارزة في القمة هو Elevate، الذي يركز على تعزيز المساواة بين الجنسين في مجال الذكاء الاصطناعي. أثر هذا البرنامج بالفعل على نساء من 28 دولة، حيث وفر لهن فرصًا قيادية وتدريبًا في مجال الذكاء الاصطناعي. يعكس التزام المملكة ببناء قوة عمل متنوعة في مجال الذكاء الاصطناعي طموحها لضمان شعور الجميع بفوائد الذكاء الاصطناعي بشكل عالمي ومنصف.
المتحدثون البارزون والجلسات
اجتذبت القمة قادة صناعيين بارزين قدموا رؤى حول الإمكانات التحويلية للذكاء الاصطناعي. ومن المتحدثين البارزين:
- جولي سويت، الرئيسة التنفيذية لشركة Accenture: ركزت سويت على دور الذكاء الاصطناعي في تحويل الأعمال عبر الصناعات. سلطت الضوء على كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين الإنتاجية والكفاءة، ودفع الابتكار، ومساعدة الشركات على إعادة تصور نماذج عملياتها في عالم قائم على البيانات.
- كريستيانو آمون، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة Qualcomm: تحدث آمون عن كيفية إعادة تشكيل الذكاء الاصطناعي للتكنولوجيا المحمولة وأنظمة الاتصالات. أكد على دور Qualcomm في دمج الذكاء الاصطناعي مع الجيل الخامس (5G)، وهو ما سيكون ضروريًا للمدن الذكية والأجهزة المتصلة في المستقبل.
- كارولين ياب، المديرة العامة العالمية في Google Cloud: قادت ياب مناقشات حول أهمية البنية التحتية السحابية في مستقبل الذكاء الاصطناعي. شرحت كيف أن حلول Google Cloud المدفوعة بالذكاء الاصطناعي تساعد في توسيع نطاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مما يجعلها أكثر وصولاً واقتصادية للشركات على مستوى العالم.
قدم هؤلاء المتحدثون، إلى جانب أكثر من 120 جلسة تفاعلية، للجمهور رؤى حول حوكمة الذكاء الاصطناعي، والتنمية المستدامة، والرعاية الصحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.